انهيار السوفيات ...موت الكافل
انهار الاتحاد السوفيتي و قد كان أربابه يراهنون على أنه من سيملك العالم , أن يكون هو صاحب الكلمة الأولى و اليد الطولى , و لكنه تفكك كالعقد في يد صبى مشاغب فلم يبق من الإتحاد إلا روسيا التي تحاول أن تجد مكانها في العالم ببعض القوة التي بقيت لها , و ما أشبهها بالعجوز التي فقدت كل شيء فأطلقت لسانها يمنة و يسرة .
في ذلك الوقت تسألنا ما معنى أن يسقط هذا المارد الذي كان قطبا ثقيلا يحسب له الحساب الطويل ؟ , ما علاقتنا نحن الصغار إن مات كبير من الكبار الذين يحكمون العالم ؟ أسئلة لم نجد لها جوابا يقنعنا لأننا و نحن صغار كنا نظن أن "كبارنا " الذين يحكموننا لهم من الاستقلالية ما يغنينا عن هذا أو ذلك , بصراحة كنا نعتقد و نحن " صغار" أننا في ظل دولة متكاملة .
بعد أن فهمنا..... عرفنا أن الكافل قد مات , من كان يحمينا من الغرب و من كبير هم "أمريكا" , و هذا ليس لسواد عيوننا بل لأننا مجال حيوي و منطقة توسع اقتصادي و تجاري و فكري للإتحاد , لم نكن نعني لهذا الكافل إلا مصلحة و أداة يمكن أن يستعملها في حربه الباردة و الساخنة , فهمنا أننا كاليتيم يبتزه كافله و يأكل أمواله بدارا , و لكننا فهنا أيضا أن موقع اليتم اخترناه بمحض إرادتنا , فرحين مسرورين , فنحن – وهذه نباهة حكامنا الفذة - اخترنا المعسكر الذي يحارب الاستغلال , و تحكم رأس المال , ويساوي بين الناس و يمجد الطبقة العاملة , اخترناه لأننا نريد العدالة الاجتماعية , نريد الاشتراكية لأنها النهج الذي يضمن الحقوق و يعدنا بحياة الرغد , و العيش الطري اللين , و اتبعنا نظريات " السبهللة" حتى صارت ترشح مع عرق مثقفينا و سياسينا العظام .
و الغريب أن وجدنا من الإسلاميين من أراد أن يدخل الاشتراكية في الإسلام "كرها" أو يدخل الإسلام فيها "كرها أيضا" و نظروا لهذا و أبدعوا في " البهللة" . بقينا في ظل الكافل الكبير نشتري سلاحه و نقول بقوله و نفكر بفكره لا وجود لنا إلا في وهجه الشيوعي الملحد , و نلجأ إليه كلما حزبنا أمر لأننا لا نستطيع أن نتحرك إلا بمشورة شيخنا " السوفياتي" , عقولنا كلها " مسنفرة " في البيت الأحمر و كأن قدرنا نحن الصغار أن نكون بين إرادة البيت الأبيض و إرادة البيت الأحمر , و قد نسينا " بيتنا الأسود" .
ثم أرادوا أن يشعرونا بأن قرارهم من عقولهم – التي لا تتحمل مخاض فكرة صغيرة - فاخترعوا لنا " دول عدم الانحياز – كذبة لطيفة على قدر عقولهم و على قدر عقولنا التي يزعجها التفكير .....ثم فهنا أنا لا قدرة لنا على عدم الانحياز و لا على الانحياز ...لأننا بلا إرادة أصلا و إنما نحن تبع نساق سوق الإبل , فهمنا لما كبرنا أننا مازلنا نعاني ذلك المرض الخبيث " القابلية للاستعمار" و التي تردنا على أعقابنا في كل مرة , لم نؤمن بأنفسنا و لا بقدراتنا , لأننا كفرنا بالذي خلق ليس كفر ملة بل كفر ثقة , لم نثق بربنا لأن خبره شوهوه بنظرياتهم العرجاء , فضعنا بين أمم لا تريد لنا خيرا و تريد بأي طريقة أن تكتم نفس الإسلام فينا لأننا قوم لا نعز إلا به و لو كره أرباب النظريات و المناهج .
ضاع الكافل و تفكك و لم نجد لمن نلجأ , فصرنا نمني أنفسنا ببعثه مجددا و لكن خابت الأماني و بقيت الحقيقة , الحقيقة أن الأمم التي تستطيع أن تحافظ على و جودها هي الأمم التي تعيش في ظل نفسها , تكفل ذاتها , قراراتها صناعة محلية من عقول أهلها , إن سنن الله في الخلق لا تحابي و لها قانون في دقة الشعرة و يجب أن نفهم أن " ما حك ظهرك مثل ظفرك " .
بعد موت الكافل لم نجد إلى أين نذهب فلا يقابلنا إلا "كافل" جديد وحيد , الذي كنا نعاديه و نخرج له لساننا , لم يبق على وجه الأرض و لا في قلوبنا إلا هذا الجبار العتيد, , تمنعنا ثم سرنا إليه على استحياء , و جهنا إلى طلل خلفناه في الشرق و أرجلنا تمضي بنا غربا , ظل جديد ....و ستكون الفاتورة أغلى من الأولى ...هذا مصير دول التي لا تعيش في ظل نفسها ....و ظل الله أوسع لو كانوا يعلمون .
اضافة تعليق