ملحمة خيخون ...وهم المجد
مازلت أذكر تلك المقابلة وأحداثها ولكن من خلال ضبابية لا توضح جميع التفاصيل التي عشتها وقتئذ كل ما اذكره أبي رحمه الله و عمي و هما يتفرجان في حماسة منقطعة النظير بل هي إلى الجنون أقرب , لم أكن اعلم ما تعنيه تلك المقابلة التي جمعت فريقنا الوطني بالألماني , فريقنا الذي كان من أبطاله رابح ماجر و بلومي و عصاد ..و ثلة ممن يشهد لهم بالتميز في كرة القدم , كنت أصيح مع الصائحين و اقفز كلما قفزوا و اسب و العن كلما فعلوا , غير مسموح لي أن أتكلم و الكبار في صمت المنتبه الذي غاص بالكلية في ما يدور على أرضية الميدان , هذه بعض التفاصيل الصغيرة التي التقطتها عدسة الذاكرة و خزنتها بكل براءة الأطفال , غير أن العالم الذي نحن فيه لم يكن يؤمن بالبراءة و لا يعترف بصفاء السريرة , فا المتلاعبون بالناس الذين يريدون السيطرة على المصائر و يوجهونها حيث ما كانت مصلحتهم كانوا وراء تصفيات كأس العالم في ذلك الوقت يحاصرون بيروت و يرتكبون مجزرة صبرا و شتيلا , لم يكن في مقدور طفل أن يعلم أن تلك العرائس التي نشاهدها على جهاز التلفزيون هي ملهاة تخشخش لنا كطفل صغير ليصرفونا عن دم يستنزف قريبا من ديارنا .
هذا الحدث صرنا نسمع عنه بعد زمن على أنه المجزرة الكبيرة التي تقام على شرف ضحاياها الندوات و الملتقيات و الكثير من الغناء , نفس ما حدث في كأس العالم لهذا العالم 2014 الذي كان بطعم القتل في شهر كريم , كان إخواننا في غزة يقتلون و نحن في زهوة الألوان البرازيلية ورقص السامبا .
لا علينا فلنا تاريخ طويل في البلادة و فغر الفاه , و تستمر حكاية ملحمة خيخون التي تذاع في المناسبات الرياضية و غير الرياضية في إعادة للمجد الذي يجب أن نعيده و الذي نخسره في كل مرة , لقد اكتسبت هذه المقابلة لقب " الملحمة " في كاريكاتورية مضحكة و مستفزة لأصحاب العقول , و استهزاء واضح مفضوح من أولائك الذين يحسنون استدعاء الصور الملونة في لوحة كلها سواد في سواد , الذين يمارسون على الشعب التنويم الإيحائي أين يفقد هذا المغدور إحساسه بما يؤلمه لأنه يستطعم لذة قديمة لا معنى لها في الحقيقة .
الكارثة أن هذه الملحمة أو هذا التنويم الجبري كان مع دولة هي في الواقع أسطورة في التفوق العلمي , فشعبها الآري له تفرد في قدرته على العمل و المثابرة , وما هتلر عنا ببعيد , نحن هنا نتحدث عن المبدأ مبدأ العمل الذي يقوم على أساس علمي قوي , لأن السياسة تغذيه بعقول تحسن إدارة الدول , و تتقن تنظيم المجتمعات , ولا علاقة لحديثنا بانبهار قليل أو كثير بالغرب , و بالمقابل تعرفون الوضع الذي كنا عليه وقتئذ و حتى الآن فلا فائدة أن نعيد على مسامعكم أننا من العالم المتخلف الذي لا يحسن حتى صناعة الخبز الذي يأكله , بقى الألمان ألمان رغم خسارتهم في تلك الملحمة المضحكة و بقينا نحن محلك سر رغم فوزنا بها .
و الغريب في الأمر أننا في كأس العالم الأخيرة واجهنا الألمان و أردنا أن نعيد المهزلة مرة أخرى , غير أننا خسرنا و فاز الألمان , خسرنا مرتين في الكرة و على الكرة الأرضية , خسرنا لأن ما يحرك الألمان غير موجود عندنا و لأن كرة القدم عند الألمان ترف بعد سلسلة طويلة من العمل و الإبداع حو الجهد و العرق و عندنا كرة القدم ترف يموت بسببه الكثير بين ساعات من التسكع و التواكل و السرقة ثم التذمر ثم النوم عميقا حتى الواحد ظهرا .
إن الملاحم لا تصنع بكرة القدم و لا تصنع الملاحم الشعوب التي مات القلب فيها و تعطل العقل و شلت اليد , و لننظر بعين العمق لما كان عليه الرعيل الأول في بداية نشأة الأمة أين كان كل هذا يعمل كما يجب تلك هي الملحمة .
كنا نريد أن نجد في أرشيفنا العلمي بكل أنواعه ما نعيده على الأجيال و نغنى له , لا أن نجد مقابلة يتيمة نفخر بها و نفخر بأصحاب الركبة و العقب و نصرف عليهم الأموال الطائلة
نهمل أصحاب العقول فلا نقيم لهم وزنا , و لا يكون لهم عندنا ذكرا و هم يبحثون في الشوارع عن عقب " سيجارة" .
هكذا بدأنا الملحمة فرجة ..... تثيرنا و أنهيناها اليوم نتخبط في وحل التخلف لا نلوى على شيء , و مازال خبراء التخدير يمارسون علينا خبرتهم بمثل تلك الملاحم و أعظمهما ملحمة خيخون أو " الخائبون".
اضافة تعليق