جدار برلين .....وجدارنا الذي لم يسقط
ذاكرتي التي تعج بصور المراهقة لم تحتفظ بالكثير لهذا الحدث الكبير , و الذي يعتبره الكثير نقطة مهمة على الصعيد العالمي و على الصعيد المحلي الألماني , فالجدار كان عقوبة عالمية اتجاه ألمانية الهتلرية , التي بهرت العالم بصناعاتها الحربية و كادت بقيادة أدولف هتلر أن تسيطر على العالم لو لا رعونة المستبد في كل زمن , و التي أدت بألمانيا إلى التقسيم و عقوبات قاسية جدا .
لم أفهم في ذلك الوقت معنى سقوط الجدار , و لا معنى أن تعود ألمانيا موحدة من جديد , فهل يمكن أن يكون لسقوط جدار إسمنتي دلالة تخيف العالم و تجعله في ترقب دائم من هذه الدولة التي لا تهدأ و التي تحاول في كل مرة أن تحتل الأفق الذي أمامها , إن التجربة التاريخية تبرر هذا الخوف فشعب هذه الدولة يحسن العمل و يحسن الصبر و قبل هذا و ذاك يحسن التفكير و الإبداع , إذن فهي دولة خطر ...خطر على الكل .
مع مرور الوقت تبين لي أن الأمر ليس مجرد سقوط جدار و إتحاد جهتين من دولة فصلتا في وقت الهزيمة , و لكن الحقيقة أن الذي سعى الألمان لإسقاطه هو القابلية للاستعمار التي حدثنا عنها الأستاذ مالك بن نبي , القابلية التي لا تعطي لأعمالنا هدفا يجعلنا في دينامكية دائمة , فنرضى بالدون مبررين هذا الخمول و الكسل بشتى التبريرات و أخطرها التبرير الديني , إن هذه الآفة التي أثارت أستاذ الجيل مالك بن نبي هي التي تنبه لها الألمان و هم يسقطون الجدار الإسمنتي و الجدار النفسي الذي كان يحبس تدفقهم و يسد عليهم المجرى , فحين مازلنا نموج في بعضنا البعض و راءه لا نستطيع أن نظهره و لا نستطيع له نقبا . فهم يقرءون تاريخهم بعين صحيحة و يقدرون ما هم عليه بدقة قاسية لذلك فهم ألمان , و في المقابل ما زال عالمنا أعشى العين لا يستطيع أن يقرأ تاريخه و إن فعل فهو يختار ما يزيده إخلادا إلى الأرض فهو يتخير النغمة التاريخية الخطأ دائما , ربما ما نملكه من مقدرات مادية و بشرية يفوق ما للألمان و لكن ما كان لهذه الوفرة أن تغير ما نحن فيه إلا بتغير ما في النفس , هذه النفس التي ما زالت حبيسة الأمنية , تستقبل تيارات التخدير بلا وعي , و بلا تمحيص جاد يمكنها من الانفكاك من وهدة تكاد تكون أبدية .
هذا هو الجدار الألماني رأيناه جدارا إسمنتيا يسقط , و رأوه خروجا من قمقم ضيق إلى رحابة عالم لا يؤمن إلا بالعمل و لا مكان فيه للنائم الخامل . إن شعب " المرسيدس" و "فولس فكن" حافظ على اندفاعته الحيوية الحضارية و آمن بدوره في العالم المحيط به , رغم أنه ترك بعد هزيمة الحرب العالمية على حافة الانهيار و قد سلطت عليه عقوبات كان من الممكن أن تمسحه من الوجود , فالألمان خرج من تحت الردم بإرادة أفراده الذين آمنوا بتميزهم العرقي و اتخذوا منها عقيدة تشحنهم كلما مسهم طائف ضعف, فهم على عكس اليابان الذي واجه مصيرا مماثلا لألمانيا و استطاع مثلها النهضة مجددا إلا أنه فقد طابعه الشرقي و انساق في جذبة شديدة نحو الأمركة و انسلخ من أصوله التي ميزته لقرون كثيرة , نحن لا نريد أن نكون "ألمانا" و لا "يابانا" نريد أن نكون نحن عرب مسلمين لنا ما يخصنا و يميزنا , لا نريد أن نذوب في غيرنا و نتبعه حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب دخلناه , لنا في تاريخنا ما يجعلنا لا أقول أسيادا بل صناعا للحضارة , مشاركين في الحركية العالمية من مركز القوة , فنحن نمتلك مقومات الخروج من تحت الردم , ما ينقصنا هو الثقة بأنفسنا بقدراتنا و بديننا تلك القوة التي أفسدناها بكثرة التفسيرات و التأويلات .
لو قمنا بمراجعات على المستوى النفسي و العقلي و اعتبرنا أن الفرد في المجتمع قوة يمكن لها أن تقدم الكثير لمجتمعها لكان الخير الكثير , إن آفتنا في " الفهم " فنحن لا نريد أن نفهم سنن الله في الكون و النفس , فإذا ناقشناها قلنا إعجاز , حتى عجزنا في كل شيء و على كل شيء , في حين أن الله يقول عنها آيات بينات لا تستحق منا إلا قليلا من الصمت و التأمل و الإنابة إلى الله ثم ننظر كيف يكون الفتح , كثر الكلام فزاغ البصر و تشوش العقل .
اضافة تعليق