الشعب يريد
الشعب يريد
هذه العبارة التي شاعت في مظاهرات ربيع الخراب الذي حل في غير أوانه على عالمنا العربي , العالم المسكين الذي فقد بوصلته فصار كالخائف المترقب الذي لا يعرف أي طريق يسلك , العالم الذي صار عارا على هذا الكوكب لحجم الآفات التي تمكنت منه و جرت في دمه , و ها نحن وصلنا أخيرا للتقاتل و ذبح بعضنا بعضا بحجج واهية مصنوعة من ورق , و فتاوى خبيثة يصدرها أبالسة ينتسبون إلى الدين و هو منهم براء.
ضجت المسيرات المليونية التي تأخذ في كل جمعة اسم , حتى صرنا لا نحصيها , ضجت بعبارات " الشعب يريد " إسقاط النظام , ثم تطورت فصارت الشعب يريد .......و لك أن تضيف ما شئت من احتياجات الشعب , توقفت كثيرا عند هذه العبارة لأسأل هذه الشعوب التي صارت تريد , ماذا يريد الشعب من الشعب ؟ ربما هذا السؤال لم يراود شعوبنا الكريمة التي لا تجتمع على ضلالة لأن شعوبنا و كما قال الأستاذ مالك بن نبي خلق تؤمن بالحق قبل أن تؤدي الواجب , أي أننا و منذ زمن بعيد غاب عنا أن الحق صنيعة ما نقدمه من واجب , و ابنه الشرعي , أما الآن قلبنا الصورة و عكسنا الآية لذا فلا تجد العربي إلا و هو يلهج بحقه الضائع و بمظلوميته الأزلية , و هو عاطل خامل لا يحرك يدا , و لا ينتفع به في شيء , إن الباحث عن الحق كل و قته يقتل مجتمعه من حيث لا يدري , يقتله لأنه يبدد فاعليته في البناء و منح المجتمع ما ينتظره منه , و لا يعيش إلا في تلك الدائرة الضيقة التي لا يرى فيه إلا نفسه و ما يطمح إليه , بلا أدنى شعور بمن هم حوله .
مدمن "المطالبة " بالحقوق لا يمكن أن يترقى و لا أن يتحرك من مكانه , لأن حركته مرتبطة بتلك المظلومية التي يشعر بها , و في محاولة انتقامية منه اتجاه مجتمعه فهو سيبقى ساكنا منتظرا حقه , يهمل ما عليه و ما يترتب على وجوده في المجتمع , لا يفهم أن الواجب هو بداية الإبداع , فهما مرتبطان بعلاقة عضوية كلما زاد الإحساس بالواجب و حتمية أدائه زاد الإبداع , و اكتسبت الحركية المجتمعية نفسا جديدا و تطورا على خطي الزمان و المكان .
و إذا كان الرعيل الأول قدوتنا – من المفروض - كان للواجب في النفس نبض و حركة , و تمكن الإحساس بالتقصير الدائم منها , كان المجتمع في حركة تصاعدية أهلته للسيطرة أفقيا على امتداد قرون طويلة , و استطاع أن يضع بصمته على تاريخ البشرية , و أن يكون قطبا تهوي إليه الأفئدة , و في مثال بسيط و لكنه رائع للصحابي الجليل عمار بن ياسر الذي كان يحمل حجرين بدل واحد على خلاف من كان معه من الصحابة الكرام , و هم يبنون مسجد النبي صلى الله عليه و سلم , نظر إليه الرسول صلى الله عليه و سلم قائلا :" للناس أجر و لعمار أجرين" , عمار أبدع في أداء واجبه مضيفا جهدا شخصيا على الجهد الذي تشاركه و الناس , على غير علم بأن أجره سيتضاعف .
و بالمحصلة المجتمع الذي لا يصنعه تيار الواجب الساري فيه قد يقتله طغيان معطى الحق الأعرج , لذلك نرى أن التجمعات البشرية التي تقدس مفهوم الواجب و تعيه و تؤديه تكون تجمعات داخلة في الحضارة , لها و جود فعال و على عكس تلك التي أصابها فيرس الحقوق فإنها أنانية لا فاعلية لها و لا يمكنها أن تشارك في تدوير عجلة الحضارة , قد خسرت منطق الحياة و نحن للأسف من هذه العينة , العينة التي إذا حللناها لم نجدها إلا و قد تغربلت صفحة و اجب بثقوب كثيرة و ثقوب الكسل , " الزكارة" , و اللامبالاة , و لماذا فلان .., و بعد قليل , و اصبر.., عندما أخذ حقي ....و لماذا أنا فقط...كل هذه الآفات و غيرها لم تترك الواجب فينا يتشكل على صورته الكاملة و الحقيقية .
ماذا تريد هذه الشعوب الهائمة , تريد حرية و ديمقراطية , تريد حقها كما تزعم , من أراد حقه قام بواجبه , أما إن كانت على غير هذا فلن يكون من حقك أصلا أن تطالب بحقك , فلست مخلوقا لتقضي مصلحتك و تفيد نفسك , و كأنك تعيش وحدك غير مرتبط بمن هم حولك , غير شاعر بأنك في مجتمع لن يصل الحق لأفراده إلا إذا قمت أنت بواجبك , ثم راقب دينك و ما أمر به ربك , فالراحة الحقيقية هي أن تؤدي ما عليك لا أن تطلب حقا ربما وصلك و تحصلت عليه و لكن لا راحة معه و لا طمأنينة و قد قصرت في ما عليك .
var vglnk = { api_url: '//api.viglink.com/api', key: 'a187ca0f52aa99eb8b5c172d5d93c05b' };
اضافة تعليق