احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

كلمات في القرآن و التفسير

منذ زمن طويل و نحن نرتاب في كتب التفسير التي تملأ تاريخ التعامل مع القرآن , وهذا كان بسبب  الفروق التي وجدناها في تفسير الآية الواحدة , التي قد تفسر بالشيء و نقيضه و هذا لا يمكن أن ينطبق على كلام الله المنزه عن الاختلاف و التضارب , فمثلا تفسير أصحاب الأعراف قيل فيها عشر أقوال أولها أنهم الأنبياء و أخرها أنهم أولاد الزنى , و السؤال الذي يطرحه القارئ لهذه التفسيرات من هم أصحاب الأعراف ؟ و كأنه بعد الجهد يجد نفسه لم يتحرك قيد الأنملة , و بعد التعلم تزداد حيرته و تشتبه عليه الأمور هذا مثال قد يعطيك تصورا كافيا عن مدى خطورة هذه الكتب التي تتصدى لتفسير كلام الله , هذا من جانب أما الجانب الأخر فهو في المفسرين أنفسهم و الذين يحملون آي القرآن الكريم ما لا تحتمله , و يسوقونها غصبا لتبرير توجهاتهم العقدية أو الحزبية أو غيرها مما يبتلى به عقل الإنسان , فمثلا الزمخشري الذي كان " من أهل الاعتزال في العقائد فيأتي بالحجاج على مذاهبهم الفاسدة .." مقدمة ابن خلدون ص488 دار الجيل بيروت  و مثله الكلبي و الكثير ممن استعملوا هذا الفن في خدمة غرض عقائدي أو حزبي أو طائفي من أمثال الشيعة و الخوارج و هذه الاستخدامات غير اللائقة للقرآن الكريم لم تنحصر على القدماء فقط بل هو مرض امتد لوقتنا الراهن .

و لعلنا في هذا الباب نطمئن لما نقله الشيخ محمد الذهبي في كتابه ((التفسير والمفسرون))، فقال: "وقد نقل عن الإمام أحمد أنه قال: ثلاثة ليس لها أصل: التفسير والملاحم والمغازي."  و نفس كلمة الإمام أحمد نقلها الشيخ ابن تيمية في فتاويه الكبرى "مقدمة في التفسير " قائلا :" ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم؛ ولهذا قال الإمام أحمد‏:‏ ثلاثة أمور ليس لها إسناد‏:‏ التفسير، والملاحم، و المغازي‏.‏ ويروي‏:‏ ليس لها أصل، أي إسناد؛ لأن الغالب عليها المراسيل.." وهذا يعزز من شكنا في كتب التفسير لأن الإسناد إذا لم يكن صحيحا متينا متواترا إلى الرسول صلى الله عليه و سلم العارف الوحيد بمرادات الله عز وجل لا يؤخذ به لأن الأمر متعلق بأعلى القضايا و أشدها خطورة و أرفعها مقاما و أعزها مكانا ألا و هو كلام الرب جل شأنه . فإن قبل في الحديث الصحيح و الحسن و غيرها فلا يقبل في القرآن إلا المتواتر كما فعل في أسانيد  في القراءات , و عليه فإن أي كلام مهما كان قائله في القرآن هو مجرد رأى و فهم لا يرقى أن يكون تأويلا أو تفسيرا لكلام الله إلا إذا ارتبط بالسند المتين بالرسول صلى الله عليه و سلم , و لهذا كان أجل التفسيرات هو تفسير القرآن بالقرآن و تفسير القرآن بالمأثور الصحيح من كلام الرسول صلى اله عليه و سلم , و غير هذا لا يعتد به .   لأن الرسول صلى الله عليه و سلم اعلم بربه و مراداته من غيره و هو المخول الوحيد للكلام في تفسيره و تقريب مفهومه للناس على الوجه الذي يوافق عقولهم و تطمئن له نفوسهم بلا خلل يغير القصد و بلا انحراف يخطىء الغاية , أما ما سوى المبلغ فإنما هو رأى قد يخطئ و قد يصيب , و اجتهاد في الفهم الذي لا يعد بأي حال من الأحوال ملزما و لا نهائيا , و حكمة الله في أن الرسول صاحب الرسالة و مبلغها لم يفسر القرآن كله و إنما فسر بعضه قولا و بعضه عملا , و ترك فسحة للعقول  في حرية السباحة في هذا اللامتناهي تلتقط منه ما استطاعت من سره المدفون و جوهره المكنون , و هي حكمة بالغة ترسخ صحة القرآن و صلاحيتة , و تبرهن على انه كلام و إن كان بلسان عربي متناهي لا يشترك معه إلا في منطوق مألوف مفارق له في سائر شأن هذا اللسان فقد فاقه في التركيب العجيب , و الأسلوب القويم , و الأداء التام الكامل , قد تطابق لفظه على معناه فلا تستطيع أن تفصل هذا عن هذا إلا خرج عن خاصيته الإلهية , و لا تستطيع أن تبدل كلمة مكان الكلمة إلا و انصرفت عن منتهى الإبداع إلى ما سواه من التقليد و التزيف , و فوق هذا فهو خبر صادق لا يخالطه سهو و لا يلامسه زيغ , لا يقربه ضلال , هداية بالغة , و شفاء تام , و جمال نازل من الجميل يملأ الأرض نورا .

تعامل مع القرآن بقدر ما فيه من العلم الجم  و المتعة العقلية و النفسية غير المحدودة فيه خطورة بالغة و الخطورة تكمن كمال قال الأستاذ سيد قطب في الظلال في محاكمة مقرارات القرآن إلى مقرارات العقل البشري , فالمتعامل مع هذا الكلام الرباني يجب أن يتخلص من جميع خلفياته الذهنية و عاداته العقلية , و توتراته النفسية التي قد تؤثر في فهمه لهذا الكلام  , فكما أن الله لا يرضى بالشرك في عبادته فهو لا يرضى أن يصنف كلامه جنبا لجنت مع كلام غيره , و لا أن يخضع الأعلى إلى الأسفل و لا أن يرتب الكامل التام مع الناقص المختلف , ومن البن الجلي أن جل الكتب التي كان التفسير هدفها لم تراع هذه القاعدة , و لم تهتم بهذا الشرط فوقعت في المحظور و خرجت الغاية التي هي تقريب كالم الخالق من المخلوق إلى خرافات و قصص لا أصل لها و لا سند , بل و مارست في الأحيان الكثيرة لي أعناق الآيات كي توائم ما يعتقده الكاتب و يؤمن به , و الطامة الكبرى أن هذه الخرافات من القصص و الإسرائيليات صارت من الأصول في التفسير و لا تكاد كتب هذا الفن تخلو منها , و بل و جرت على ألسنة العامة من الناس , و لعل الكثير يعتقد أنه لا ضرر منها ما دامت لا تمس أصلا من الأصول , و هذا الاعتقاد هو من أفسد على الأمة قرآنها و ثم دينها الذي تتعبد به , فمثل هذه الخرافات إذا تكررت خلقت نمطا من التفكير الذي يشرد عن القرآن بعيدا , فيضيع العلم , و تتوه الحكمة , و تغيب الغاية , و ينقلب القرآن من كتاب مجيد إلى مجلس سمر و سهر , و لم يكن القرآن و لا الرسول صلى الله عليه و سلم يرضى بها فيخرج من كون الكلام الرباني الأعلى , المجيد الهادي , الذي يفيض بالعلم و الحكمة , بل هو الحركة التي تصنع زمنا يسمى الزمن القرآني , هذا الزمن الذي عاشه الرسول صلى الله عليه و سلم , فكان قرآنا يمشي , و كان خلقه القرآن , القرآن حركة عقلية و نفسية تتوافق و الحركة الكونية العامة التي تسير في النظام الذي سطره الخالق , و أي زيغ عن الطريق , أو انحراف عن الجادة قد يهلك الإنسان و يهلك غيره , لأنه يحطم شبكة العلاقات التي تربط الخالق بالمخلوق و من ثم بالحيز الذي يتحرك  فيه هذا الأخير , و لنا مثالين يوضحان و ما يجره وجود الخلل في هذه الشبكة .

أما المثال الأول فالغرب صاحب العلم و التقنية و الذي تحرر من سلطة الكنيسة – الدين – ليمارس الحياة كما هي و يحاول أن يخضع الطبيعة لإرادة الإنسان متخليا عن سلطة الرب و هدايته , فهو لا يهدأ و لا يكل و لا يمل من البحث و التجربة , جاعلا للعلم السلطة المطلقة , حتى أنه في كثير من الأحيان لا يجد أثرا لنفسه هو فيما يفعل , المنطق عنده لا يخضع لأي قانون سوى قانونه الخاص , هذه العقلية التي يباشر  بها الغرب حياته يصنع هلاكه بيده و يشيد دماره الحتمي بما يكسب , فصناعاته سببت اختلالا فادحا في مناخ العالم , و قضت على الملايين من البشر , و شوهت الفطرة في النبات و الحيوان و الإنسان , لم يدع الطبيعة على سجيتها كما خلقها ربها بل تتدخل في قوانينها و فرض عليها مراداته , و لكن الخروج عن السنة أو تبديلها معناه الهلاك العاجل , و الفناء الذي يقترب و لا يكاد الغربي يشعر به و هو في غفلته , بل لعل نواقيسا قوية بدأت تدق  إنذارا من الخطر المحدق بالإنسان .

المثال الثاني هو عالمنا الإسلامي و الذي ارتد إلى الماضي و خرج من حيز الوجود , أو كما الأستاذ مالك بن نبي خارج الحضارة , و هذا الخروج ليس وليدا لحظ عاثر أو ضربة حظ غير موفقة بل له أسبابه السننية التي لا تحاب أحدا , و لعنا لا ننطق بالمقولة الشائعة على الأفواه و التي مفادها أن السبب هو بعدنا عن الدين , لأننا نرى فيها قولة عامة لا طائل منها , و لأننا نعتقدها نتيجة لا سببا , و الأصح أن نسأل : لما ابتعدنا عن الدين ؟ المنطق الصحيح في التفكير يحتم علينا مناقشة المشكلة من أصلها لا أن نأخذ فرعا من فروعها و نمارسه عليه شهوتنا في الكلام و الجدل , و الإجابة عن السؤال ليس هذا محلها و لكن لا بأس أن نقول فيها ما تيسر لنا الآن . المشكلة الحقيقية لا تتجسد في التخلف الذي نعانيه في عالمين العربي و الإسلامي , و لا في التأخر العلمي و التقني , و لا تتجسد في ابتعادنا عن الدين و تعاليمه و لكن المشكلة في السبب الذي جعلنا نبتعد عن الدين رغم معرفتنا التامة أنه الدين الحق و الهدى الحق و هذا إجماع لا يشذ عنه إلا من قل عقله حتى ممن يطالب بالمدنية و العلمانية فأنت تراه لا يبخس الدين قوامته و لا تأصله في النفس الإنسانية , و لكنه قد يماري في تنزيه الدين عن السياسة و أن الدين علاقة خاصة بين الرب و العبد , إذن ما هي المشكلة الحقيقية التي جعلتنا ننحرف عن الدين هي بكل بساطة الفهم , نعم الفهم , الدين تعاليم و التعاليم قد تفسر بما يمليه الفهم و هذا ما يجعل الدين يخرج عن اصالته و و يفقد وهجه في النفوس و العقول , لذلك كانت البدعة أشد الأمور التي حذر منها الرسول صلى الله عليه و سلم يقول الكريم صلى الله عليه و سلم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أي مردود عليه , لأن الإحداث خروج عن الأصل , و ابتعاد عن الجادة الصحيحة , و أخطر البدع تلك المتعلقة  بالفكر و التفكير , و التي تتحول من  مجرد فكرة إلى اعتقاد و ممارسة , و تخترع له الحجج و الأدلة , ويناور صاحبه بكل أمر يمكن أن يقنع به خصه أو سامعه , غير أن مبدأ البدعة و حركتها في الفكرة و السلوك حركتة غير ذاتيه و فهي لا يمكن أن تحرك نفسها بنفسها , و لا يمكن أن تولد قوة الدفع الذاتية , لأنها لقيطة و أدلتها مستعارة , و مرصوفة على نهج مشوه , و انظر لأصحاب الأهواء و البدع فكيف لا يتماسكون أمام الحجة البالغة و القول المبين , و كيف تنفك منهم العرى الواحدة تلو الأخرى , فيخرون أخيرا صرعى , على عكس القرآن الذي يمتاز بخاصية لا يشاركه فيها احد , و لن يشاركه فيها أحد إلى أن يرث الله الأرض و من عليها , هذه الخاصية هي الحركة الذاتية , و قوة الدفع التي تمكن القرآن من السير الثابت , فهو يمتلك مركز الدفاع و الهجوم في آن واحد , يتحرك بهما في توازن رهيب , و يوازن بين هذا و ذاك في تناوب عجيب أدلته و حججه جزء متصل به لا ينفك عنه , لا يمتد خارج حيزه الإلهي و لا يستنجد بقوة غير القوة الكامنة فيه , هو البناء و الأساس , جسم متكامل لا يتطرق إليه النقص , و هذا القول ليس ابن التفاخر و التباهي فالقرآن ليس بحاجة لقولنا و هو القول الكامل التام , و لا هو بحاجة لتقيمه بل هو المقياس الذي نرجع إليه في تقيم أفكارنا و أفعالنا , و لكنه قول الحقيقة التي ظلت تنتصب أما العقل و النفس , يراودها الفكر و التأمل فلا يرجعا إلا و هما يقسمان أنها الحقيقة الوحيدة الكاملة , وكم من أرباب الفكر العالمي ممن لا ينتمي إلى ملتنا يقف مبهورا لما يجده في هذا الكلام , و في هذا القول المتين المبين ,  ولا عجب عندما نجد المتكلم العلي الكريم يصف كتب بأنه لا ريب فيه " الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) "  , إي لا ريب فيه لا من ناحية المصدر العلوي و لا من ناحية الحق الذي يهدي إليه , و يصفه بالمجيد أي العالي الذي لا يضاهي علو قول أخر و لا يدانيه كلام مهما تكلف و استنجد بغيره , و لا يستطيع أي كان مهما بلغ من القدرة في البلاغة و الفصاحة و قوة اللسان أن ينزه ابداعه عن الغلط و النسيان , ويمنع تطرق السهو إليه إلا أن يكون هذا الكلام كلام رب العالمين .

 نريد أن نخرج من هذا الباب لنقول أن تفسير القرآن لا يملكه إلا الله أو من من  الله عليه فملكه هذا الأمر و كشف له من مراداته الحكيمة ما يجعله يقول في القرآن  بلا حرج مستعينا بالدليل و لا يكون هذا إلا لنبي مرسل أما ما سوى ذلك فرأي يؤخذ منه و يرد , و عليه فأن كتابنا هذا لا يكشف عن فهم فهمه الأستاذ مالك بن نبي من القرآن و ضمنه كتبه كنوع من الاستدلال , و كركيزة هامة توجه فكره و سعيه في خلق عقل مسلم جديد  عوض العقل الذي تشوه , إذن هي خواطر قرآنية منتقاة من كتبه , نتتبعها لنرى كيف تعامل الأستاذ مالك بن نبي مع القرآن و كيف فهمه و ما هو أسلوب التأمل الذي مارسه مفكر بحجم مالك بن نبي في ظروف غير الظروف التي نعيشها و بمعطيات تختلف عن معطيات اليوم , و ثم نستطيع أن نقدر مقدار القرآن الذي كان عقل و قلب الأستاذ يعجان به ,

 

var vglnk = { api_url: '//api.viglink.com/api', key: 'a187ca0f52aa99eb8b5c172d5d93c05b' };

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق